تخلّف الزيادة الهائلة في عدد سكان العالم، على مرّ الأزمنة، ضغوطاتٍ متزايدة على القطاع الزراعي لحثّه على إنتاج أغذية تكفي العالم بأسره. في هذا الإطار، تبرز حاجةٌ ماسّةٌ إلى اعتماد ممارسات أفضل في مجال إدارة المياه والري، بغية زيادة الإنتاج الزراعي باستخدام الكمية نفسها من الماء لا بل أقل. هذا من جهة. أما من جهة أخرى، فتتّسم موارد الأراضي بالقدر نفسه من الأهمية. لذا، يُعدُّ استخدامها بطريقة مستدامة عاملاً أساسياً من أجل إحراز التقدّم.
من هذا المنطلق، كيف يمكن لقطاع الأغذية الزراعية أن يساهم في تحقيق مستقبل مستدام؟ والأهمّ من ذلك، ما هي الخطوات التي تتّخذها مجموعة دبانه صيقلي للمضيّ قدماً في الاتجاه الصحيح؟
الإنجازات
الزراعة المائية هي عبارة عن إنتاج المحاصيل من دون استخدام التربة (الفاو، 2020). تُعتبر الميزة الأساسية لمثل هذه الطريقة هي التخلّص من مشكلة الأعشاب الضارة والآفات الأخرى المنقولة بالتربة، وبالتالي تجنّب المخلّفات الناجمة عن استخدام مبيدات الآفات السامة. وليس هذا فحسب، فمن الفوائد الأخرى أيضاً استخدام المياه بشكلٍ أفضل، وتحسين مراقبة مستوى المغذّيات والأوكسجين، وزيادة نوعية المحاصيل والغلال.
إكزوتيكا
تستخدم إكزوتيكا نظام الزراعة المائية في مشاتلها منذ 1998. في تلك الآونة، تعلّم مهندسو الشركة أصول التقنيات المتطورة لأنظمة الزراعة الأوروبية الجديدة التي تمّ استيرادها إلى لبنان. وقد نجحوا، بفضل الدعم المستمرّ الذي يتلقونه من خبراء أوروبيين حتى يومنا هذا، في الحفاظ على هذه الأنظمة والاستفادة منها على أفضل نحو.
جديرٌ بالذكر أنّ الورد ينمو في مادة البيرلايت، مما يتيح للمزارعين زراعة ضعف عدد هذه الأزهار في كلّ متر مربّع، ويولّد بالتالي عائداً اقتصادياً أفضل. يتمّ توفير الري والأسمدة من خلال أنظمة مؤتمتة، فيما يتحدّد الطلب على المياه عن طريق أجهزة استشعار التربة الموجودة في بيئة الزرع. وبفضل العملية المؤتمتة للري بالتنقيط، ومراقبة بيئة البيوت الزجاجية، يمكن للمزارعين زراعة ورود متجانسة، على قدر عال من الجودة، في مختلف أنحاء البيوت الزجاجية.
دبانه إخوان
إلى جانب نباتات الزينة، اعتمدت دبانه إخوان تقنية الزراعية المائية في قطاع الصناعات الزراعية منذ أوائل الألفية الجديدة. بالفعل، تضمّ محطة التجارب في عدلون 12 ألف متر مربع من محاصيل الطماطم، والخيار، والباذنجان المزروعة مائياً. فتخضع بيئة البيوت الزجاجية للمراقبة بهدف التحكّم بدرجة الحرارة، والرطوبة، والري. جديرٌ بالذكر أنّ الميزات الأساسية لهذا النظام تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:
- تدني استخدام المياه بنسبة تصل إلى 70%
- انخفاض ملحوظ في استخدام المبيدات
- زيادة في الغلال بالمقارنة مع الزراعة التقليدية
استُخدمت تقنيةٌ متطورةٌ أخرى للزراعية المائية، هي تقنية الغشاء المغذي (NFT)، في محطة التجارب في البوار حيث نقوم بزراعة الخس. في هذه الحالة أيضاً، تشمل الميزات الأساسية لتقنية الغشاء المغذي، على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:
- زراعة ما يصل إلى أربعة مرات أكثر من الخسّ لكل متر مربّع
- جني ما يصل إلى 10 مواسم سنوياً بالمقارنة مع 5 مواسم على الأكثر عند استخدام طرق الزراعة التقليدية
تضمّ محطة البوار أيضاً نباتات الفراولة المزروعة مائياً في الصوف الصخري، وهي مادة معدنية تحتية أخرى، غير قابلة للاحتراق، تولّد كميةً كبيرةً من الغلال وفاكهة ذات جودة عالية.
إلى جانب الزراعة المائية، تعتمد دبانه طرقاً جديدة في غرس شتلات العنب وزراعتها. تعود هذه الفكرة إلى إيطاليا، وهي تنصّ على زراعة كروم العنب تحت أغطية بلاستيكية، لحمايتها من الظروف الجوية السيئة أثناء الفترات الحرجة من السنة، تحديداً عواصف البَرَد، والصقيع الربيعي، والرياح الساخنة في الصيف. فضلاً عن ذلك، تؤمّن الأغطية البلاستيكية منطقةً مناخيةً صغيرةً مؤاتيةً للكروم، على نحوٍ يمكّن من جني المحصول في وقت أبكر بالنسبة إلى الأصناف المبكرة النضج، أو في وقت لاحق بالنسبة إلى تلك التي تنضج في وقت متأخّر. ولكي تكون طريقة الزرع هذه كاملة الفعالية، تفرّدت دبانه في إنتاج أفضل أصناف العنب المحمية من كاليفورنيا لملاءمة كل شريحة من شرائح السوق. فأصبح بإمكاننا اليوم إنتاج العنب من أوائل حزيران/يونيو وحتى نهاية كانون الأول/ديسمبر.
اعتمدت دبانه إخوان الهيكلية الجديدة للكروم في البقاع، والشمال، وكذلك في جنوب لبنان في الآونة الأخيرة، حيث تمّ زرع كروم عنب بمساحة 15 هكتاراً في الوزاني. فوُضعت اللمسات الأخيرة على مشروع الوزاني، حيث تمّ تركيب كل الهيكليات الجديدة وتغطيتها، وزرع شتلات العنب كافة. ومن المتوقع المباشرة بالإنتاج في 2021.
التحديات
لا ريب في أنّ فكرة الزراعة المائية قد سبّبت اضطراباً في أسواق نباتات الزينة والزراعة التقليدية، كونها قادرة على إنتاج محاصيل أكبر، ذات نوعية أفضل، وبوتيرة أسرع، وفي الوقت نفسه باستخدام كمية أقل من الموارد والأراضي. فلمَ لم تتمكّن دبانه إذاً من تسويق هذه التقنية بشكلٍ مناسب على المستوى الوطني والإقليمي؟
التمويل
لا ريب في أنّ مشاريع الزراعة المائية تتطلّب كميةً أكبر بكثير من الاستثمارات التي ينبغي أن تكون متوفّرةً منذ البداية. ومردّ ذلك إلى تعدّد الهيكليات المستخدمة، وضرورة مراقبة المناخ، ونظام الري الأوتوماتيكي، وكلفة المادة التحتية التي ينبغي تغييرها سنوياً، وغير ذلك. لذا، يمتنع الكثير من المزارعين/المستثمرين من المغامرة باستثمارٍ بهذا الحجم، لا سيما وأنّ أسعار أسواق المنتجات اللبنانية تشهد تقلّبات متواصلة. فضلاً عن ذلك، لا تدعم الحكومة مثل هذه الحلول المستدامة لمساعدة المزارع اللبناني وتشجيعه على الاستثمار.
ينطبق الأمر نفسه على مشاريع العنب، حيث تبلغ كلفة الاستثمار الأولي خمسة أضعاف الاستثمار في الكروم التقليدية تقريباً. وفي ظل الأزمة المالية الحالية، وترسّخ أوجه انعدام اليقين التي تكتنف الاقتصاد اللبناني، ما زالت أرجحية بيع هذه المشاريع محدودة.
العقلية والدعم
على غرار أي فكرة مبتكرة، يتمثل التحدي الأساسي بعقلية العملاء المستهدفين، أي المزارع في هذه الحالة، التي يصعب اختراقها عادةً. فمن دون الوقائع والدراسات المتينة التي تثبت فعالية مشاريعنا وجدواها، سيكون من الصعب جداً تسويق المشاريع وبيعها.
هذا من جهة. أما من جهة أخرى، فلم نحقّق نجاحاً كافياً في مواقعنا الاختبارية من حيث عرض بيانات واضحة تثبت أنّ محاصيل الخضروات والفراولة المزروعة مائياً تكون أفضل، وأكثر وفرةً دوماً، بالمقارنة مع تلك المزروعة بالتربة. من هذا المنطلق، سنقوم من جهتنا بتكثيف العمل والتركيز بناءً على إيماننا العميق بأنّ هذه التقنية ستشهد انتشاراً في المستقبل القريب. كما سنتولى تشكيل وتدريب الفرق التي ستكون مسؤولةً عن دعم العملاء الذين يقرّرون اعتماد هذه التقنيات.
خطوات للمضيّ قدماً
للتغلّب على هذه التحديات، نطبّق عدة خطوات للسير قدماً. فنقوم أولاً، فمن خلال إجراء عدة تجارب، بزيادة فعالية هيكلياتنا بهدف خفض الكلفة لكل متر مربّع، وبالتالي خفض مقدار الاستثمارات الأولية المطلوبة. ثانياً، نعمل على تشكيل لجنة مخصصة لتبادل الأفكار والخبرات حول الحلول المبتكرة الآنفة الذكر، مما سيساهم أيضاً في تخفيض النفقات التشغيلية لهذه المشاريع وزيادة فعاليتها. أخيراً، نواصل اطلاعنا على أحدث الابتكارات والتطورات من خلال الندوات، والأسواق، والمعارض، حيث يمكننا اكتساب المعارف الخارجية، وتكييف ما تعلّمناه مع مواردنا وقدراتنا الحالية، وتزويد السوق بحلول مفصّلة حسب الطلب. فمن خلال الابتكارات والتكنولوجيات، نواصل في دبانه سعينا للتغلّب على التحديات الزراعية في المنطقة، مع العمل على تحسين طرق استخدام الأراضي والمياه، وتزويد المزارعين بحلول زراعية شاملة من أجل مستقبل مستدام.
...